السياسةالمجتمع

معتقلو حراك الريف: أحكام قاسية للردع وتطويق الحراك الشعبي

رشيد الإدريسي

كان يوم الجمعة 5 أبريل 2019 يوما طويلا وحزينا، الجميع ينتظر سواء داخل المحكمة أو خارجها، مادا ستسفر عنه المداولة حول قضية محاكمة معتقلي حراك الريف في المرحلة الاستئنافية، بعد صدور أحكام قاسية تراوحت بين سنة وعشرين سنة سجنا نافدة في المرحلة الابتدائية، وهي الأحكام التي سيتم تأكيدها في جملة بسيطة نطقت بها هيئة المحكمة، في أجواء مؤثرة عاشتها عائلات المعتقلين والمحامين وعدد من المناضلين، أحكام قاسية بعد متابعة العشرات من مناضلي ونشطاء حراك الريف بعد انطلاق حركة احتجاجية قوية في أكتوبر 2016 على إثر وفاة محسن فكري بائع السمك في ظروف مأساوية ، ووسعت مطالب الاحتجاج من المطالبة بالتحقيق في وفاة محسن فكري ومتابعة المسؤولين عن دلك لتشمل مطالب اقتصادية واجتماعية تنشد الكرامة والعدالة الاجتماعية في منطقة تعرضت للتهميش والحرمان .

الأسباب العميقة لاحتجاج

ظلت منطقة الريف تعاني من اختلالات كبيرة في تدبير المجال والبنيات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية ، وهكذا سيتضح إفلاس عدد من المشاريع التنموية، التي كشفت أحداث الحسيمة أنها ظلت تراوح مكانها، بما فيها مرافق اجتماعية حيوية من مستشفيات وخدمات اجتماعية وطرق، كما تعرضت مواردها المحلية للنهب من طرف نخب لا يهمها سوى مراكمة الأرباح والامتيازات، على حساب تنمية حقيقة للمنطقة، بالإضافة إلى سيادة مشاعر التمييز والتهميش في أوساط الساكنة ، حيث يعتبر المواطنون أن تلك السياسة ممنهجة و ثابتة للمخزن اتجاه المنطقة، وفي السنين الأخيرة تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين الذين يعتمد عدد منهم على موارد الهجرة في إطار التضامن العائلي حيث انعكست الأزمة في أوروبا على أوضاع المهاجرين مما أدى إلى تقلص مساعداتهم المالية الموجهة للأسر بالمنطقة، بالإضافة إلى القيود الصارمة على إمكانية الهجرة إلى أوروبا التي ظلت تعتبر منفذا للشباب في المنطقة للتخلص من العطالة والأفاق المسدودة.

كما أن الدولة أقدمت على إجراءات اقتصادية واجتماعية قاسية، على يد حكومة يقودها الإسلام السياسي الذي تحول إلى أداة سياسية رجعية في خدمة سياسة ليبرالية متوحشة ومصالح قوى رأسمالية وغربية، وجدت في مرحلة خفوت وتراجع الحراك الشعبي الذي دشنته حركة 20 فبراير، فرصة للانقضاض على عدد من المكاسب وتكريس تراجعات مست ميدان حقوق الإنسان والحريات.

قوة شبابية صاعدة متعطشة للكرامة  

لقد انتبه عدد من المراقبين والملاحظين إلى أن مركز الاحتجاج انتقل مند بداية الألفية الثالثة من المدن والمراكز الحضرية الكبيرة إلى المراكز والمدن المتوسطة والصغيرة، التي اتخذت احتجاجاتها طابعا شعبيا وقويا بمطالب اجتماعية ( سيدي ايفني ، تازة، بوعرفة ، زاكورة ) … فإذا كانت العوامل الاقتصادية والاجتماعية من فقر وبطالة وعدم الاستفادة من الموارد المحلية والثروات والتطلع إلى الكرامة والحرية، هو ما يفسر تلك الدينامية الاجتماعية الصاعدة ،التي تؤشر أنها ستكون عميقة وطويلة وأن قوتها واستمرارها نابعان من وعي عام رافض لما تتعرض له ثروات البلاد من نهب وتوزيع غير عادل وجشع نخب مقربة من السلطة أبانت عن غياب أي حس وطني لديها.

يمثل الحضور القوي للشباب في الريف وانخراطه الواسع في الحركة الاحتجاجية التعبير الحي عن تحولا ت ديموغرافية في المنطقة تؤكد حسب إحصاء 2014 أن أكثر من نصف سكان الريف يتراوح أعمارهم بين 15-44، شباب متعلم يملك عددا من المؤهلات المعرفية والفكرية، شباب طموح، يعيش حاضره بوعي أن هده الأوضاع ليست قدرا، وأنها غير مستعصية على التغيير، كما أن النزوع للتحرر والاستقلالية الذي يميز الفئة الشبابية يشكل قوة دفع أساسية لتكسير حواجز الخوف والتردد، والنزوع إلى التجديد والإبداع، وهو ما اتضح جليا في عدد من الصيغ والأساليب الإبداعية أثناء الحركة الاحتجاجية، والتعبئة الواسعة والقوية ، ومشاركة المرأة المميزة، وهي المشاركة التي تخطت عددا من القيود والتقاليد التي كانت سائدة في المنطقة، مما يعني أن هناك تحولا عميقا في عدد من القيم الثقافية، يضاف إلى دلك دور الجامعة والمجتمع المدني في إكساب الشباب تجربة وخبرة لا باس بها في تدبير أشكال التعبير والتنظيم، وهو ما انعكس على مستوى أداء الحركة الاحتجاجية في الريف التي فاجأت السلطة وعددا من المراقبين ،ك ما أن الحرص على الطابع السلمي ووضوح وواقعية مطالبها ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، اكسبها تعاطفا واسعا تخطى حدود الريف ليشمل كل البلاد.

الذاكرة وجراح الماضي

لقد شكل الماضي الجريح للريف الذي يحيل على القمع الوحشي والتأديب المستمر للريف والماضي النضالي العريق للريف في مواجهة القوى الاستعمارية، والطموحات التحررية الكبيرة التي رافقت تجربة بطل الريف عبد الكريم الخطابي ، عنصرا أساسيا في التلاحم واستنفار الطاقات، فالذاكرة التاريخية حاضرة بثقلها في الوجدان الشعبي بكل ما ترمز إليه من ظلم ومآس، و كذلك من اعتزاز بالكرامة وحذر اتجاه السلطة ورفض كل أشكال الخضوع، وهو ما يفسر تلك الرموز والصور الحاضرة في مختلف التظاهرات الاحتجاجية.

المقاربة الأمنية والأساليب العتيقة للمخزن

أدى تراجع حركة 20 فبراير والتفاف الأنظمة الرجعية مدعومة من طرف الامبريالية على الحراك الشعبي في المنطقة العربية ،إلى تشجيع الدولة في إغلاق قوس الحراك الشعبي بالمغرب من خلال الهجوم على الحريات العامة كالحق في التنظيم والتعبير وحرية الصحافة ، والتضييق على نضالات القوى الديمقراطية واليسارية والمدنية ، واعتقال ومحاكمة عدد من النشطاء ومناضلي اليسار الديمقراطي، وقمع الوقفات والحركات الاحتجاجية، ومحاولة تحجيم فعاليتها وإشعاعها،في هدا المناخ ستندلع احتجاجات الريف بزخم وقوة يعاكس مجريات الواقع، الشيء الذي احدث ارتباكا واضطرابا لدى الحكم وإستراتجيته التي تريد إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء، ولقد حاول في البداية التضييق على حراك الريف ومحاولة تطويقه والحيلولة دون تمدده في مناطق الريف، كما سعى إلى قمع عدد من الوقفات التضامنية التي بادرت قوى اليسار الديمقراطي والقوى الحقوقية والمدنية تنظيمها في عدد من المناطق والمدن تضامنا مع الحراك ومن أجل مواصلة الدينامية إلي أطلقتها حركة 20 فبراير ، لينتقل إلى محاولة عزل الحراك وتشويهه واتهامه بالنزعة الانفصالية موظفا عدد من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، لكن سرعان ما افتضحت هده الحملة وارتدت على أصحابها ، كما عجزت الدوائر المسؤولة على تقديم إجابات ملموسة على المطالب الشعبية للحراك وخصوصا مع إصرار قادة الحراك على معالجة مطالب الحراك بجدية وعمق وشمولية، لتواجه الدولة الحراك بقمع واسع وحملات اعتقالات ومداهمات وملاحقات استهدفت عددا كبيرا من المناضلين والنشطاء، وتقديمهم للمحاكمة. ولقد شكلت تلك الحملة القمعية صدمة قوية للمجتمع المغربي لأنها تعيد للأذهان ماضي انتهاكات الماضي. وهنا لا بد إن نحيي المجهودات الجبارة التي بدلها المحامون والمحاميات في المؤازرة والدفاع ، وكذا تضامن القوى الديمقراطية واليسارية والحقوقية التي اتخذت عددا من المبادرات النضالية والتضامنية من اجل إطلاق سراح المعتقلين وتلبية مطالب الحراك.

إن صدور هذه الأحكام القاسية تعتبر انحيازا لمنطق تسلطي وقمعي عانى منه الشعب المغربي وخلف العديد من المآسي، ويبدو أن الهدف من تلك الأحكام كلن هو التأديب والردع والتخويف ،وهو أسلوب استبدادي يعكس أزمة وتخبط أصحابه بالدرجة الأولى وخصوصا في زمن تهب فيه رياح التحرر والحرية. لقد عبر الرأي العام عن رفضه وتنديده بتلك الأحكام القاسية واعتبر أن الخيار الأمني والقمعي يعاكس التطلعات التحررية للمواطنين وإن تطلع الشعب المغربي للحرية والكرامة لا يمكن خنقه أو القضاء عليه ، فلا بديل آخر غير إطلاق سراح المعتقلين واحترام الحريات وحقوق الإنسان وتلبية المطالب الشعبية في الكرامة والحرية والديمقراطية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى