إذا كان الشباب في قلب الثورات الثلاث المميزة للعالم خلال نهاية القرن 20 وبداية القرن 21 (الثورة الديمغرافية، الثورة الثقافية والثورة الرقمية)، فلأنه من أكبر ضحايا الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة قبل جائحة كورونا، نتيجة انعكاسات العولمة الليبرالية المتوحشة، والتي تميزت خاصة بتشبيب التفقير وتأنيثه، مما أنتج مناخا من فقدان الثقة والشعور العميق بالحكرة والعداء للدولة ورموزها ومؤسساتها، وبالتالي التشبع بثقافة الرفض والتمرد والاحتجاج ضد هدر الكرامة وقمع حرية التعبير عنها فرديا وجماعيا.. لكن معظم الحركات الاحتجاجية ظلت تراوح مكانها بين قمع الأنظمة وتراجع الزخم الاحتجاجي، على المستوى الدولي والإقليمي والوطني. فكيف سيكون مستقبل الشباب بعد الجائحة؟
جائحة كوفيد 19 وقعت على مفارقة جديرة بالملاحظة، من جهة أولى إثارة انتباه المجتمعات الى أن المفعول الصحي للجائحة يستهدف بالدرجة الأول المسنين بالنظر الى نقص المناعة لديهم، ثم ضحايا المفعول الاقتصادي والاجتماعي للجائحة من الشباب والذي يتمظهر على مستوى العديد من المجالات والوقائع، ونقصد بالشباب حسب المعيار الدولي الفئة التي يتراوح عمرها بين 15 و24 سنة..
يتحدث التقرير المعنون ب “كوفيد 19 وعالم الشغل” والصادر عن المرصد التابع لمنظمة العمل الدولية بتاريخ 27 ماي 2020، وسيما الجزء الخاص منه بالشباب، عن مستقبل هذا الأخير حيث يركز على أن أزمة كوفيد 19 تطال الشباب بطريقة سريعة وأكثر خطورة، والحاجة الملحة للتحرك الفوري لتفادي انبثاق “جيل الحجر الصحي” “Génération de confinement”.
لتعزيز هذه الخلاصة يورد التقرير العديد من المعطيات التي تهم تمدرس وعطالة الشباب وفقدانه لمناصب الشغل، والتي غالبا ما ترتبط بالقطاع غير المنظم ( 95%)، وصعوبة ولوج سوق الشغل بعد الجائحة.
لقد أدى وباء كورونا إلى اضطرابات قوية بفعل إغلاق المدارس، الجامعات، مؤسسات التعليم التقني والتكوين، وبسبب توقف التعليم المهني كالتعلم المرتبط بأنشطة التداريب قبل الجائحة، فحوالي 496 مليون شاب في العالم كانوا مشمولين بالتعليم الثانوي، الدراسات بعد الثانوية والتعليم العالي. والكثير منهم يعتبرون دراساتهم معرضة بشكل جدي للاضطرابات. إن النتائج الأولية لتحقيق حديث العهد أنجزه بشكل مشترك كل من المكتب الدولي للشغل، اليونسكو والبنك الدولي، يوضح أن حوالي 98% من الأشخاص المستجوبين في جميع جهات العالم يعيشون وضعية الإغلاق الجزئي أو الكلي لمؤسسات التعليم المهني ومراكز التكوين، 3 أشخاص من أصل 4 يؤكدون إلغاء أو تأجيل الامتحانات والتقويمات، حوالي ثلثي أنشطة التكوين سوف تتحقق عن بعد، فمن أصل مركزين للتكوين، اعتمد واحد منهما التعليم الرقمي. إن الأمر يتعلق بتطور واسع على اعتبار أنه قبل الجائحة لم يكن غير مركز واحد من أصل خمسة يتيح الدروس الرقمية. بينما في إفريقيا يرتفع عدد المؤسسات المغلقة. وفي الواقع فأفريقيا غير مجهزة بشكل كاف لكي تمر الى نمط التكوين والتعليم عن بعد، خاصة بواسطة الدروس الرقمية.
إن ابرز التحديات التي تواجه الشباب بفعل أزمة كوفيد 19 والتي يستعرضها التقرير، تتجلى في ثلاثة مستويات:
أولا، اضطرابات في مجال التربية والتكوين، والتي ستؤدي مستقبلا الى تقلص الفرص المتاحة للشغل والمداخيل وتقلص القيمة الاعتبارية للشهادة والكفاءات المحصلة في حالة عدم اتخاذ الحكومات تدابير استدراكية ومصاحبة على المستوى التربوي والسوسيواقتصادي، حيث يوجد تهديد حقيقي للشباب الذي سيجد نفسه مضطرا للانقطاع عن دروسه، بل ويعاقب في حياته المهنية من الناحية المادية والمعنوية.
ثانيا، الموجة الحالية لفقدان مناصب الشغل وانهيار المقاولات والشركات الناشئة، والتي تقلص من نفقاتها ومن مناصب الشغل، مع العلم أن حوالي 11.8 مليون شاب يوجدون في الجبهة الأمامية لمواجهة الجائحة، لأنهم يشتغلون في قطاعات الصحة والعمل الاجتماعي ومنهم 74% من النساء.
ثالثا، انبثاق صعوبات متنامية للحصول على الشغل بالنسبة للشباب الوافد على سوق الشغل لأول مرة، أو الذين يحاولون مزاولة عمل يتيح لهم تحسين وضعيتهم المهنية والاجتماعية.
أمام الانعكاسات الحالية ووضعية القلق وعدم الاطمئنان، سيجد الشباب نفسه يؤدي تكلفة ثقيلة على مستوى صحته العقلية والنفسية، ويتجلى هذا الواقع المر في رؤية العديد من الشباب لآفاق حياتهم المهنية بكثير من القلق واللايقين والتخوف. فحوالي نصف الطلبة الشباب هم في وضعية تأخر محتمل لإنهاء التزاماتهم الدراسية، ومنهم 10% متأكدون أنه ليس بمقدورهم إنهاءها.. منذ بداية الجائحة، وحوالي نصف الشباب المستجوبين يعتبرون أنفسهم عرضة للقلق والضغط النفسي.
وتوجد العديد من المؤشرات التي تبين أن الشباب يعاني من آثار مدمرة وطويلة الأمد، نتيجة البطالة الممتدة في الزمن، خاصة عندما يحاول ولوج سوق الشغل في مرحلة الركود الاقتصادي. فبفعل الظروف الاقتصادية يفشل الشباب في محاولاتهم الأولى لإيجاد شغل، أو يجدون أنفسهم أمام شغل لا يناسب مستواهم التعليمي. وأخذا بعين الاعتبار أن الركود الناتج عن أزمة كوفيد 19 أخطر من الأزمات السابقة، بما فيها أزمة 2008، فالمتوقع هو خسارات في الأجور على المدى الطويل بالنسبة لفئة الشباب الذين لم يحالفهم الحظ وغادروا صفوف الدراسة في الثانوية أو الجامعة خلال نهاية هذه السنة الدراسية 2019-2020. وسيجد هؤلاء أنفسهم خلال السنوات المقبلة في مواجهة منافسة شرسة من أجل مناصب شغل محدودة.
من أجل فهم أفضل لنتائج أزمة كوفيد 19 على الشباب، أطلقت منظمة العمل الدولية وشركائها “في المبادرة العالمية من أجل عمل لائق للشباب”، “تحقيقا دوليا حول الشباب وكوفيد 19”. وقد أظهرت النتائج الأولية لهذا التحقيق عن بعد، أن شباب العالم بأسره كان عرضة للانعكاسات السلبية والقاسية لأزمة وباء كورونا، وخاصة إغلاق المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين، تزايد الانقطاع عن الدراسة، فقدان مناصب الشغل، تقليص الأجور، ونقص ساعات العمل..
أمام هاته اللوحة السوداء لواقع ومستقبل الشباب، على ضوء تداعيات أزمة كوفيد19، والتي توضح بشكل لا جدال فيه أن العالم سيكون أقل ديمقراطية وأكثر احتجاجا، والسؤال المطروح هو: هل سيكون بمقدور جيل الحجر الصحي التوقيع على نقلة نوعية في الوعي والمشاركة السياسية في صناعة عالم أكثر إنسانية وعدلا وديمقراطية، من قلب حركة اجتماعية تناضل من أجل العيش والمصير المشتركين؟ وإلى أي حد تستطيع فيه القوى المناهضة للرأسمالية المفترسة التقاط هذه التحولات السلبية والإيجابية واستشراف آفاق المواجهة، بحيث يكون من صناعها الأساسيين الشباب؟